فصل: الحديث الثَّالِث عشر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير



.الحديث الثَّانِي عشر:

أَنه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللهِ مِنْ رِيحِ المِسْكِ».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح. رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم فِي صَحِيحَيْهِمَا من حَدِيث سعيد بن الْمسيب أنَّه سمع أَبَا هُرَيْرَة يَقُول: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم:
«قَالَ اللهُ عزَّ وجلَّ: كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلاَّ الصَّوْم فُهوَ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ. ولَخَلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عَنْدَ اللهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ».
وَفِي رِوَايَة لَهما: «فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ».
وَفِي رِوَايَة لمُسلم: «لَخلْفَةُ».
وَرَوَاهُ البُخَارِيّ من حَدِيث أبي الزِّنَاد، عَن الْأَعْرَج، عَن أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أنَّ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: فَذكر حَدِيثا فِيهِ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللهِ منْ رِيحِ المِسْكِ».
وروياه جَمِيعًا من حَدِيث أبي صَالح الزيات أنَّه سمع أَبَا هُرَيْرَة يَقُول: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «قَالَ الله عزَّ وجلَّ: الصَّوْم لي وَأَنا أجزي بِهِ، يدع شَهْوَته وَأكله وشربه من أَجلي، وَالصَّوْم جنَّة، وللصائم فرحتان، فرحة حِين يفْطر وفرحة حِين يلقى الله عزَّ وجلَّ. ولخلوف فَم الصَّائِم أطيب عِنْد الله من ريح الْمسك». زَاد مُسلم: يَوْم الْقِيَامَة. وَأخرجه مُسلم من رِوَايَة أبي سعيد الْخُدْرِيّ أَيْضا مُنْفَردا بِهِ.
قَالَ عبد الْحق: انْفَرد بهَا م. وأمَّا الْحميدِي فعزاها إِلَيْهِمَا.
وَرَوَاهُ الْبَزَّار فِي مُسْنده من رِوَايَة عَلّي- كرَّم الله وَجهه- مَرْفُوعا بِهَذَا اللَّفْظ، ثمَّ قَالَ: لَا نعلمهُ يرْوَى عَن عَلّي إلاَّ من هَذَا الْوَجْه بِهَذَا الإِسناد.
وَأخرجه أَحْمد من رِوَايَة الْحَارِث بن مَالك الْأَشْعَرِيّ، وَلَفظه: «وَإِنَّ خُلُوفَ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللهِ منْ رَائِحَةِ المِسْكِ». وَهُوَ حَدِيث طَوِيل.
وَأخرجه ابْن حبَان فِي صَحِيحه أَيْضا بِطُولِهِ. وَأخرجه أَحْمد أَيْضا من حَدِيث ابْن مَسْعُود مَرْفُوعا بِلَفْظ: «وَلَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللهِ منْ رِيحِ المِسْكِ».
فَائِدَة: الخُلوف- مضموم الْخَاء لَا غير-: التَّغَيُّر فِي الْفَم، يُقَال: خَلَفَ يَخْلُفُ- بِالْفَتْح فِي الْمَاضِي وَالضَّم فِي الْمُسْتَقْبل- خلوفًا، كقعد يقْعد قعُودا.
وَعَن بعض الْمُحدثين أَنه فتح الْخَاء فخطأ فِيهِ، قَالَ القَاضِي عِيَاض فِي «الْمَشَارِق»: قيدناه عَن المتقنين بِضَم الْخَاء، وَأكْثر الْمُحدثين يَرْوُونَهُ بِفَتْح الْخَاء، وَهُوَ خطأ عِنْد أهل الْعَرَبيَّة، وبالوجهين ضبطناه عَن الْقَابِسِيّ. وَكَذَا قَالَ ابْن الصّلاح: كثير من الْمُحدثين يفتحون الْخَاء، وَهُوَ خطأ، وَالْمعْنَى يُفْسِدهُ؛ فَإِن الخلوف بِفَتْح الْخَاء: هُوَ الشَّخْص الَّذِي يكثر خَلفه فِي وعده. ذكر ذَلِكَ الْخطابِيّ عادًا لَهُ فِي غلطاتهم.
فَائِدَة أُخْرَى لَهَا تعلق بِهَذَا الحَدِيث، وَهِي: اخْتلف الْعلمَاء فِي مَعْنَى قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: «كُلُّ عَمَلِ اِبْنِ آدَمَ لَهُ إلاَّ الصَّوم، فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ» عَلَى أَقْوَال كَثِيرَة.
ذكر أَبُو الْخَيْر الطَّالقَانِي فِيهِ خَمْسَة وَخمسين قولا. وَمن أحْسنهَا قَولَانِ:
أَحدهمَا:- وَهُوَ الْمَشْهُور- أَن الْحَسَنَة بِعشْرَة أَمْثَالهَا إِلَى سَبْعمِائة ضعف إلاَّ الصَّوم.
الثَّانِي: أنَّه يَوْم الْقِيَامَة يتَعَلَّق خصماؤه بِجَمِيعِ أَعماله، إلاَّ الصَّوْم، فَلَا سَبِيل لَهُم عَلَيْهِ، فإنَّه لله، فَإِذا لم يبْق إلاَّ الصَّوْم فيتحمل الله مَا بَقِي من الْمَظَالِم، ويدخله الجنَّة بالصَّوم. قَالَه سُفْيَان بن عُيَيْنَة.
قَالَ الْحَافِظ محب الدَّين الطَّبَرِيّ: أحسن مَا أول الحَدِيث بِهِ أنَّ الصَّوْم لم يُعْبَد بِهِ غير الله- تَعَالَى- وَمَا عداهُ من الْعِبَادَات تقربُوا بهَا إِلَى آلِهَتهم. وَالصَّوْم صَبر. قَالَ- تَعَالَى-: {إِنَّمَا يُوفى الصَّابِرُونَ أجرهم بِغَيْر حِسَاب}.
فَائِدَة ثَالِثَة: وَقع نزاع بَين الشَّيْخَيْنِ الإِمامين العالِمين، تَقِيّ الدَّين أبي عَمْرو بن الصّلاح وَعز الدَّين أبي مُحَمَّد بن عبد السَّلام فِي أنَّ هَذَا الطّيب فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة أم فِي الْآخِرَة خَاصَّة؟ فَقَالَ الشَّيْخ عز الدَّين: فِي الْآخِرَة خَاصَّة، مستدلًا بِرِوَايَة مُسلم: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللهِ منْ رِيحِ المِسْكِ يَوْم الْقِيَامَة». وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين بن الصّلاح: عَام فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة. مستدلًا بأنَّ الإِمام أَبَا حَاتِم ابْن حبَان قَالَ فِي صَحِيحه بَاب فِي كَون ذَلِكَ فِي يَوْم الْقِيَامَة.
ثمَّ رُوِيَ بِسَنَدِهِ من حَدِيث أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا: «لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللهِ يَوْمَ القِيَامَةِ منْ رِيحِ المِسْكِ». ثمَّ قَالَ: بَاب فِي كَونه فِي الدُّنيا.
ثمَّ رَوَى فِي هَذَا الْبَاب بِإِسْنَادِهِ الثَّابِت من حَدِيث أبي هُرَيْرَة أَيْضا أَنه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ حِينَ يَخْلُفُ من الطّعَامِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللهِ منْ رِيحِ المِسْكِ».
وَرَوَى الإِمام الْحسن بن سُفْيَان فِي مُسْنده عَن جَابر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أنَّ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «أُعْطِيتْ أُمَّتِي فِي شَهْرِ رَمَضَان خَمْسًا. وَأَمَّا الثَّانِيَة فَإِنَّهُم يُمْسُون وُخُلوفُ أَفْواهِهِمْ أَطْيَبُ عِنْدَ اللهِ منْ رِيحِ المِسْكِ».
قَالَ السَّمْعَانِيّ فِي أَمَالِيهِ: هَذَا حَدِيث حسن. وكلّ وَاحِد من الْحَدِيثين مُصَرِّح بأنَّه فِي وَقت وجود الخلوف فِي الدُّنْيَا يتحقّق وَصفه بِكَوْنِهِ أطيب عِنْد الله من ريح الْمسك. قَالَ: وَقد قَالَ الْعلمَاء شرقًا وغربًا مَعْنَى مَا ذكرته فِي تَفْسِيره، ثمَّ عدد أَقْوَالهم. ثمَّ قَالَ: لم يذكر أحد مِنْهُم تَخْصِيصًا. وإنَّما جزموا بأنَّه عبارَة عَن الرِّضَى وَالْقَبُول وَنَحْوهمَا مِمَّا هُوَ ثَابت فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة. قَالَ: وأمَّا ذكر يَوْم الْقِيَامَة فِي تِلْكَ الرِّوَايَة فلأنَّه يَوْم الْجَزَاء. وَفِيه يظْهر رُجْحَان الخلوف فِي الْمِيزَان عَلَى الْمسك الْمُسْتَعْمل لدفع الرَّائِحَة الكريهة طلبا لرضى الله- تَعَالَى- حَيْثُ يُؤمر باجتنابها وَاخْتِلَاف الرَّائِحَة الطّيبَة كَمَا فِي الْمَسَاجِد والصلوات وَغَيرهَا من الْعِبَادَات، فخصَّ يَوْم الْقِيَامَة بالذِّكر فِي رِوَايَة كَذَلِك كَمَا خصَّ فِي قَوْله تَعَالَى: {إِن رَبهم بهم يَوْمئِذٍ لخبير}، وَأطلق فِي بَاقِي الرِّوَايَات نظرا إِلَى أنَّ أصل أفضليته ثَابت فِي الدَّارين.
فَائِدَة رَابِعَة: لما اسْتدلَّ الرَّافِعِيّ بِهَذَا الحَدِيث عَلَى كَرَاهَة السِّواك للصَّائِم بعد الزَّوال، قَالَ: وَجه الدّلَالَة أنَّه أثر عبَادَة مشهود لَهُ بالطيب، فكره إِزَالَته كَدم الشَّهيد. وَأَشَارَ بِطيب دم الشَّهِيد إِلَى حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أنَّه قَالَ: «لَا يُكْلَمُ أحدٌ فِي سَبِيل الله عزَّ وجلَّ، وَالله أعلم بِمن يكلم فِي سَبيله، إلاَّ جَاءَ يَوْم الْقِيَامَة وجرحه يثعب، اللَّوْن لون الدَّم وَالرِّيح ريح الْمسك»، متَّفق عَلَيْهِ.
وَلَو عبر الإِمام الرَّافِعِيّ بدل قَوْله: «فكره إِزَالَته» بقوله: «فَكَانَ إبقاؤه راجحًا عَلَى إِزَالَته»، لَكَانَ أولَى لِأَن إِزَالَة دم الشَّهِيد حرَام لَا مَكْرُوهَة، فَلم يستو الْمَقِيس والْمَقِيس عَلَيْهِ فِي الحكم.

.الحديث الثَّالِث عشر:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «لَوْلاَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلاَةٍ».
هَذَا الحَدِيث مَرْوِيّ من طرق، وَالَّذِي يحضرنا مِنْهَا أحد عشر طَرِيقا:
أَحدهَا: عَن مَالك عَن أبي الزِّنَاد، عَن الْأَعْرَج، عَن أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «لَوْلاَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي...»، الحَدِيث بِاللَّفْظِ الَّذِي ذكره المصنِّف سَوَاء.
رَوَاهُ البُخَارِيّ فِي كتاب الصَّلَاة عَن عبد الله بن يُوسُف، عَن مَالك بِهِ.
وَرَوَاهُ مُسلم من حَدِيث سُفْيَان بن عُيَيْنَة، عَن أبي الزِّنَاد بِإِسْنَادِهِ وَلَفظه، ذكره فِي الطَّهَارَة.
قَالَ ابْن مَنْدَه: وَإِسْنَاده مجمع عَلَى صِحَّته. قَالَ النَّوَوِيّ: وَقد غلط بعض الْأَئِمَّة الْكِبَار، فَزعم أنَّ البُخَارِيّ لم يروه وَجعله من أَفْرَاد مُسلم، وَهُوَ خطأ مِنْهُ.
وَفِي رِوَايَة للنسائي، وَابْن خُزَيْمَة، وَالْبُخَارِيّ تَعْلِيقا: «عِنْد كلِّ وضوء».
وَفِي رِوَايَة لِأَحْمَد- بِإِسْنَاد صَحِيح-: «لَوْلاَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لأَمَرْتُهُمْ عِنْدَ كُلِّ صَلاَةٍ بِوضُوءٍ وَمَعَ كُلِّ وضوءٍ بِسواكٍ».
وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ مَرْفُوعا من حَدِيث مَالك فِي كِتَابه أَحَادِيث مَالك الَّتِي لَيست فِي الْمُوَطَّأ، وَأخرجه مَالك فِي الْمُوَطَّأ، عَن ابْن شهَاب، عَن حميد بن عبد الرَّحْمَن، عَن أبي هُرَيْرَة أنَّه قَالَ: «لَوْلاَ أَنْ يشقَّ عَلَى أمَّتِهِ لأَمَرَهُم بِالسِّوَاكِ مَعَ كُلِّ وضوءٍ».
وَقَالَ ابْن عبد الْبر: وَهَذَا يدْخل فِي الْمسند لاتصاله من غير مَا وَجه وَلما يدل عَلَيْهِ اللَّفْظ.
وَرَوَاهُ الشَّافِعِي عَن مَالك مَرْفُوعا.
قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي كِتَابه شعب الإِيمان: رَوَى مَالك خَارج موطئِهِ حَدِيث أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا: «لَوْلاَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَفرضتُ عَلَيهِم السِّوَاكَ معَ الوضوءِ». وَرَوَاهُ فِي الْمُوَطَّأ مَوْقُوفا، والْحَدِيث فِي الأَصْل مَرْفُوع من غير هَذَا الْوَجْه.
وَهُوَ فِي حَدِيث سعيد بن أبي هِلَال، عَن الْأَعْرَج، عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا: «لَوْلاَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ مَعَ الوضوءِ».
قَالَ ابْن خُزَيْمَة: يشبه أَن يكون مَالك قد كَانَ حَدَّث بِهِ مَرْفُوعا، ثمَّ شكَّ فِي رَفعه فَوَقفهُ. كَمَا قَالَ الشَّافِعِي: كَانَ مَالك إِذا شكّ فِي الشَّيْء انخفض وَالنَّاس إِذا شكّوا ارتفعوا.
وَفِي البُخَارِيّ، فِي كتاب الصَّوم، بَاب سواك الرطب واليابس للصَّائِم: وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَة عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «لَوْلاَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ وضوءٍ». قَالَ: وَيروَى نَحوه عَن جَابر وَزيد بن خَالِد عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَلم يخص الصَّائِم من غَيره.
وَأغْرب عبد الحقِّ، فَقَالَ فِي كِتَابه الْجمع بَين الصَّحِيحَيْنِ: حَدِيث أبي هُرَيْرَة هَذَا أسْندهُ البُخَارِيّ وَمُسلم وَحَدِيث عَائِشَة- يَعْنِي الَّذِي قيد السِّوَاك بطهرة الْفَم- أسْندهُ البُخَارِيّ خاصَّة.
قُلْتُ: الأوَّل لم يخرجَاهُ البتَّة بِهَذَا اللَّفْظ الْمَذْكُور، وَهُوَ: «عندَ كُلِّ وضوءٍ». وَالثَّانِي لم يسْندهُ البُخَارِيّ أصلا، وإنَّما ذكره مُعَلّقا كَمَا ذكره عَنهُ.
فَمَا أَدْرِي مَا هَذَا القَوْل من عبد الحقّ- سامحنا الله وإياه.
الطَّرِيق الثَّانِي: عَن سهل بن سعد رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أنَّ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «لَوْلاَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلاَةٍ».
رَوَاهُ أَبُو نعيم بِإِسْنَادِهِ من حَدِيث عَمْرو بن خليف، ثَنَا يَعْقُوب بن دَاوُد بن مطرف، حَدَّثَنَي أَبُو غَسَّان مُحَمَّد بن مطرف، عَن أبي حَازِم، عَن سهل بِهِ.
الثَّالِث: عَن عبد الله بن عَمْرو أنَّ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «لَوْلاَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي...»، بِمثل الَّذِي قبله.
رَوَاهُ أَبُو نعيم أَيْضا بِإِسْنَادِهِ من حَدِيث مُعَاوِيَة بن صَالح، حَدَّثَنَي عبد الرَّحْمَن بن جُبَير بن نفير، عَن أَبِيه، عَن عبد الله بِهِ.
الرَّابع: عَن أمِّ حَبِيبَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قَالَت: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «لَوْلاَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي...»، بِمثلِهِ.
رَوَاهُ أَحْمد من حَدِيث ابْن إِسْحَاق عَن مُحَمَّد بن طَلْحَة بن يزِيد بن ركَانَة، عَن سَالم بن عبد الله، عَن أبي الْجراح مولَى أمّ حَبِيبَة، عَنْهَا بِهِ.
رَوَاهُ الإِمام أَحْمد مرّة بِهَذَا السَّنَد وَزَاد بعد أبي الْجراح: عَن زَيْنَب بنت جحش فَجعله من مسندها، وَزَاد بعد قَوْله: «كل صَلَاة»: «كَمَا يَتَوَضَّئُونَ».
الْخَامِس: عَن جَابر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «لَوْلاَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أمتِي» مثله.
رَوَاهُ أَبُو نعيم بِإِسْنَادِهِ. وَفِيه إِسْحَاق بن مُحَمَّد الْفَروِي. وَقد أخرج لَهُ البُخَارِيّ وَوَثَّقَهُ ابْن حبَان وَتكلم فِيهِ غَيرهمَا.
وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم: سَأَلت أبي عَن هَذَا الحَدِيث، فَقَالَ: لَيْسَ بِمَحْفُوظ وَهُوَ مُرْسل أشبه.
السَّادِس: عَن أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «مَا لَكُم تدخلُون عَلَيَّ قلحًا؟! لَوْلاَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلاَةٍ».
رَوَاهُ أَبُو نعيم، وَفِي إِسْنَاده إِبْرَاهِيم بن إِسْمَاعِيل بن أبي حَبِيبَة، وَقد تقدم أَقْوَال الأئمَّة فِيهِ فِي بَاب المَاء النَّجس.
السَّابِع: عَن زيد بن خَالِد الْجُهَنِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «لَوْلاَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلاَةٍ».
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيّ وَقَالَ: حَدِيث حسن صَحِيح.
قَالَ: وَقَالَ البُخَارِيّ: إِنَّه أصح من حَدِيث أبي هُرَيْرَة.
الثَّامِن: عَن عبد الله بن الزبير رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «لَوْلاَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلاَةٍ».
رَوَاهُ أَبُو نعيم وَالطَّبَرَانِيّ فِي أكبر معاجمه، وَفِي إِسْنَاده مَجْهُول.
التَّاسِع: عَن ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «لَوْلاَ أنْ تضعفوا لأمرتُكم بالسِّوَاكِ عندَ كُلِّ صلاةٍ».
رَوَاهُ الْبَزَّار وَقَالَ: هَذَا الحَدِيث قد رُوِيَ بِنَحْوِ كَلَامه عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم من غير وَجه بِهَذَا اللَّفْظ، وَلَا يحفظ عَن ابْن عَبَّاس بِهَذَا اللَّفْظ إلاَّ من هَذَا الْوَجْه بِهَذَا الْإِسْنَاد، وَمُسلم الْملَائي فِي إِسْنَاده، وَلَيْسَ بِهِ بَأْس، رَوَى عَنهُ جماعات وَاحْتَملُوا حَدِيثه.
وَأخرجه الطَّبَرَانِيّ فِي أكبر معاجمه من هَذَا الطَّرِيق بلفظين:
أَحدهمَا: «لَوْلاَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لجعلت عَلَيْهِم السِّوَاك عِنْدَ كُلِّ صَلاَةٍ».
وَالثَّانِي: «لَوْلاَ أَنْ تَضْعف أُمتي لأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلاَةٍ».
الْعَاشِر: عَن عَلّي- كرَّم الله وَجهه- قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «لَوْلاَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلاَةٍ».
رَوَاهُ الإِمام أَحْمد.
الْحَادِي عشر: عَن جَعْفَر بن أبي طَالب رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «استاكوا، لَوْلاَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلاَةٍ».
ذكره الدَّارَقُطْنِيّ فِي علله وَذكر اخْتِلَافا فِي إِسْنَاده. وظفرت بطرِيق ثَانِي عشر، وَهُوَ: مَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي أكبر معاجمه من حَدِيث أَرْطَاة أبي حَاتِم، ثَنَا عبيد الله بن عمر عَن نَافِع عَن بن عمر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «لَوْلاَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلاَةٍ».
وأرطأة هَذَا قَالَ ابْن عدي: لَهُ أَحَادِيث فِي بَعْضهَا خطأ وَغلط. ثمَّ أخرجه الطَّبَرَانِيّ من حَدِيث سعيد بن رَاشد، عَن عَطاء، عَن ابْن عمر مثله مَرْفُوعا، وَسَعِيد هَذَا تَركه النَّسَائِيّ.
وَسَيَأْتِي لَهُ طَرِيق ثَالِث عشر فِي الْفُصُول الَّتِي سأعقدها فِي السِّواك فِي فصل: فِي السِّواك عِنْد اللَّازِم وَتغَير الْفَم.

.الحديث الرَّابِع عشر:

«أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا اسْتَيْقَظَ بِاللَّيْلِ استاك».
وَفِي رِوَايَة: «إِذا قَامَ من النَّوم يشوص فَاه بالسِّواك».
هَذَا الحَدِيث مَرْوِيّ من طرق، الَّذِي يحضرني مِنْهَا ستَّة:
أَحدهَا: عَن حُذَيْفَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أنَّ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا قَامَ من اللَّيْل يشوص فَاه بالسِّواك.
رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم.
وَفِي رِوَايَة لمُسلم: «كَانَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا قَامَ ليتهجد يشوص فَاه بالسِّواك».
واستغرب ابْن مَنْدَه هَذِه الزِّيَادَة وَهِي قَوْله: «ليتهجد» وصححها ابْن خُزَيْمَة فإنَّه أوردهَا كَذَلِك فِي صَحِيحه.
وَفِي رِوَايَة للطبراني لَيْسَ فِيهَا ذكر الْقيام من اللَّيْل، وَهَذَا لَفظه:
عَن حُذَيْفَة قَالَ: كَانَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يشوص فَاه بالسِّواك.
وَفِي رِوَايَة للنسائي عَن حُذَيْفَة: «كنّا نؤمر بالسِّواك إِذا قمنا من اللَّيْل».
«الشوص» بالشين الْمُعْجَمَة الْمَفْتُوحَة وَالصَّاد الْمُهْملَة: دلك الْأَسْنَان بِالسِّوَاكِ عرضا. قَالَه غير وَاحِد وَقَالَ الْهَرَوِيّ: الْغسْل. وَقَالَ أَبُو عبيد: التنقية. وَقَالَ أَبُو عمر: الحك. وَقيل هُوَ الاستياك من سفل إِلَى علو. نَقله القَاضِي عِيَاض، وَلما حَكَى قَول الحك قَالَ: وتأوله بَعضهم أنَّه بإصبعه، وَأَنه يُغني ذَلِكَ عَن السِّواك.
الطَّرِيق الثَّانِي: عَن ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما أنَّه بَات عِنْد نَبِي الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم ذَات لَيْلَة. فَقَامَ نَبِي الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم من آخر اللَّيْل، فَخرج ينظر فِي السَّمَاء، ثمَّ تَلا هَذِه الْآيَة فِي آل عمرَان: {إِن فِي خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض وَاخْتلف اللَّيْل وَالنَّهَار} حتَّى بلغ، {فقنا عَذَاب النَّار}، ثمَّ رَجَعَ إِلَى الْبَيْت فَتَسَوَّكَ وتوضَّأ ثمَّ قَامَ فَصَلى، ثمَّ اضْطجع، ثمَّ قَامَ فَخرج فَنظر إِلَى السَّمَاء، ثمَّ تَلا هَذِه الْآيَة، ثمَّ رَجَعَ فَتَسَوَّكَ وَتَوَضَّأ، ثمَّ قَامَ فصلَّى.
رَوَاهُ مُسلم فِي صَحِيحه.
وَفِي رِوَايَة لأبي دَاوُد: «بِتُّ لَيْلَة عِنْد النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ من مَنَامه أَتَى طهوره، فَأخذ سواكه فاستاك ثمَّ تَلا هَذِه الْآيَات: {إِن فِي خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض وَاخْتِلَاف اللَّيْل وَالنَّهَار لآيَة لأولي الْأَلْبَاب} حتَّى قَارب أَن يخْتم السّورة أَو خَتمهَا، ثمَّ تَوَضَّأ فَأَتَى مُصَلَّاهُ فَصَلى رَكْعَتَيْنِ، ثمَّ رَجَعَ إِلَى فرَاشه فَنَامَ مَا شَاءَ الله، ثمَّ اسْتَيْقَظَ فَفعل مثل ذَلِكَ كلّ ذَلِكَ يستاك وَيُصلي رَكْعَتَيْنِ، ثمَّ أوتر».
وَفِي رِوَايَة لِابْنِ مَاجَه: «كَانَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يصلِّي بِاللَّيْلِ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ ثمَّ ينْصَرف فيستاك».
وَأخرج هَذِه الرِّوَايَة الْحَاكِم فِي الْمُسْتَدْرك، ثمَّ قَالَ: صَحِيحَة عَلَى شَرط البُخَارِيّ وَمُسلم.
وَفِي رِوَايَة لأبي نعيم: «بت عِنْد رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَامَ من اللَّيْل، ثمَّ عمد إِلَى مَاء مُعَلّق فتسوَّك».
وَفِي رِوَايَة لَهُ: «رُبمَا استاك النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي اللَّيْلَة أَربع مَرَّات».
وَفِي رِوَايَة للطبراني فِي أكبر معاجمه: «كَانَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يستاك من اللَّيْل مرَّتَيْنِ أَو ثَلَاثًا».
وَفِي رِوَايَة لَهُ عَن الْفضل بن عَبَّاس قَالَ: «لم يكن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يقوم إِلَى الصَّلَاة بِاللَّيْلِ إلاَّ اسْتنَّ».
الطَّرِيق الثَّالِث: عَن سعد بن هِشَام، عَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها: «أنَّ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يُوضع لَهُ وَضُوءه وسواكه، فَإِذا قَامَ من اللَّيْل تخلى ثمَّ استاك».
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَاد جيِّد.
وَفِي رِوَايَة لِابْنِ مَنْدَه عَنْهَا: «كَانَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يرقد، فنضع لَهُ سواكه وَطهُوره، فيبعثه الله إِذا شَاءَ أَن يَبْعَثهُ فَيقوم فيتسوَّك ثمَّ يتَوَضَّأ». قَالَ ابْن مَنْدَه: «وإسنادها مجمع عَلَى صِحَّته».
وَعَن الحَرِيش- بحاء مُهْملَة مَفْتُوحَة ثمَّ رَاء مُهْملَة مَكْسُورَة ثمَّ يَاء مثناة تَحت ثمَّ شين مُعْجمَة- ابْن الخِرِّيت- بخاء مُعْجمَة مَكْسُورَة وَتَشْديد الرَّاء الْمُهْملَة الْمَكْسُورَة، ثمَّ يَاء مثناة تَحت، ثمَّ تَاء مثناة فَوق- أَخُو الزبير بن الخريت، حَدَّثَنَي ابْن أبي مليكَة، عَن عَائِشَة قَالَت: «كُنَّا نضع لرَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم ثَلَاثَة آنِية مخمرة: وَاحِد لوضوئه، وَوَاحِد لسواكه، وَوَاحِد لشرابه».
رَوَاهُ ابْن مَاجَه فِي سنَنه، وَالطَّبَرَانِيّ فِي أَوسط معاجمه. ثمَّ قَالَ: «لم يروِ هَذَا الحَدِيث عَن ابْن أبي ملكية إلاَّ الْحَرِيش، تفرد بِهِ حرمي بن عمَارَة».
قُلْتُ: حرمي بن عمَارَة ثِقَة احتجَّ بِهِ الشَّيْخَانِ وَغَيرهمَا لَكِن الشَّأْن فِي حريش بن الخريت. قَالَ البُخَارِيّ: فِيهِ نظر. وَقَالَ أَبُو زرْعَة: واهي الحَدِيث. لَكِن الْحَاكِم أخرجه فِي مُسْتَدْركه من طَرِيقه وَقَالَ: صَحِيح الإِسناد. وَذكره ابْن السكن فِي صحاحه أَيْضا.
وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد من حَدِيث همام، عَن عَلّي بن زيد، عَن أمِّ مُحَمَّد، عَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها: «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ لَا يرقد من ليل وَلَا نَهَار فيستيقظ إلاّ تسوَّك قبل أَن يتوضَّأ».
أمّ مُحَمَّد هَذِه امْرَأَة عَلّي بن زيد بن عبد الله بن جدعَان. وَعلي بن زيد صُوَيْلِح الحَدِيث، وَقَالَ أَحْمد وَيَحْيَى: لَيْسَ بِشَيْء. وَقَوَّاه غَيرهمَا.
وَأخرج لَهُ مُسلم مَقْرُونا.
وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي أَوسط معاجمه من حَدِيث همام، عَن عَلّي بن زيد، ثمَّ قَالَ: لم يروه عَن عَلّي بن زيد إلاَّ همام.
وَرَوَاهُ أَبُو نعيم من حَدِيث هِشَام بن عُرْوَة، عَن أَبِيه، عَن عَائِشَة: «أنَّ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يرقد، فَإِذا اسْتَيْقَظَ تسوَّك ثمَّ تَوَضَّأ وصلَّى ثَمَان رَكْعَات».
وَاعْلَم: أَن الشَّيْخ أَبَا إِسْحَاق- رَحِمَهُ اللَّهُ- أورد فِي مهذبه حَدِيث عَائِشَة: «أنَّ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا قَامَ من النَّوم يشوص فَاه بِالسِّوَاكِ». فَقَالَ النَّوَوِيّ فِي شَرحه لَهُ: قيل: إِن ذكر عَائِشَة وهم من المُصَنّف وعدوه من غلطاته، وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ من رِوَايَة حُذَيْفَة وَقَالَ فِي كِتَابه تَهْذِيب الْأَسْمَاء: كَذَا هَذَا الحَدِيث فِي الْمُهَذّب عَن عَائِشَة، وإنَّما هُوَ من رِوَايَة حُذَيْفَة، كَذَا هُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيرهمَا من كتب الحَدِيث. فَإِن أَرَادَ- رَحِمَهُ اللَّهُ- الإِنكار عَلَى الشَّيْخ أَن هَذَا اللَّفْظ لَا يعرف إلاَّ فِي حَدِيث حُذَيْفَة فَمُسَلَّم، وَإِن أَرَادَ رِوَايَتهَا فقد ذَكرْنَاهُ من رِوَايَتهَا من طرق.
الطَّرِيق الرَّابِع: عَن ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما قَالَ: «كَانَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا ينَام إلاَّ والسواك عِنْده، فَإِذا اسْتَيْقَظَ بَدَأَ بِالسِّوَاكِ».
رَوَاهُ الإِمام أَحْمد.
وَفِي رِوَايَة: «كَانَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا ينَام إلاَّ والسواك عِنْده».
رَوَاهُ ابْن عدي.
وَفِي رِوَايَة: «كَانَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم لايستيقظ من اللَّيْل إلاَّ استاك»، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي أَوسط معاجمه. وَفِي إِسْنَاده فرات بن السَّائِب الْجَزرِي وَهُوَ ضَعِيف.
وَرَوَاهُ أَبُو نعيم وَالطَّبَرَانِيّ فِي أكبر معاجمه من حَدِيث حسام بن مصك، عَن عَطاء، عَن ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما قَالَ: «كَانَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يتعار من اللَّيْل إلاَّ أَجْرَى السِّوَاك عَلَى فِيهِ». زَاد الطَّبَرَانِيّ بعد قَوْله: من اللَّيْل: سَاعَة.
وَهَذِه الرِّوَايَة ضَعِيفَة جدًّا؛ لأنَّ حسام بن مصك بن ظَالِم بن شَيْطَان أَبُو سهل الْبَصْرِيّ ضَعِيف جدًّا، قَالَ أَحْمد: مطروح الحَدِيث. وَقَالَ غنْدر: أسقطنا حَدِيثه. وَقَالَ يَحْيَى: لَيْسَ حَدِيثه بِشَيْء. وَقَالَ البُخَارِيّ: لَيْسَ بِالْقَوِيّ عِنْدهم. وَقَالَ أَبُو زرْعَة: واهي الحَدِيث. وَقَالَ الفلاس وَالدَّارَقُطْنِيّ: مَتْرُوك الحَدِيث. وَقَالَ النَّسَائِيّ: ضَعِيف.
وَقَالَ ابْن حبَان: كثير الْخَطَأ فَاحش الْوَهم خرج عَن حد الِاحْتِجَاج بِهِ.
وَفِي رِوَايَة للطبراني فِي أكبر معاجمه: «كَانَ لَا يقْعد سَاعَة من اللَّيْل إلاَّ أمرَّ السِّواك عَلَى فِيهِ».
وَفِي سَنَده سعيد بن رَاشد الْمَازِني السماك، وَقد تَركه النَّسَائِيّ، وَقَالَ البُخَارِيّ: مُنكر الحَدِيث. وَقَالَ يَحْيَى: لَيْسَ بِشَيْء.
وَفِي رِوَايَة لَهُ: «رُبمَا استاك فِي اللَّيْل أَربع مرَّات...».
وَفِي إسنادها: مُوسَى بن مطير، قَالَ غير وَاحِد: مَتْرُوك الحَدِيث، مِنْهُم س، وَقَالَ يَحْيَى: كذَّاب.
الطَّرِيق الْخَامِس: عَن أبي أَيُّوب رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أنَّ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يستاك فِي اللَّيْلَة مرَارًا».
رَوَاهُ أَبُو نعيم من حَدِيث عُثْمَان بن أبي شيبَة، ثَنَا مُحَمَّد بن عبيد، عَن وَاصل بن السَّائِب الرقاشِي، عَن أبي سُورَة، عَن أبي أَيُّوب بِهِ.
وواصل مَتْرُوك، كَمَا قَالَه النَّسَائِيّ وَغَيره.
وَأَبُو سُورَة مَجْهُول.
الطَّرِيق السَّادِس: عَن أنس بن مَالك، وَله طَرِيقَانِ:
أَحدهمَا: عَن قُرَّة بن حبيب القنوي بِسَنَدِهِ إِلَيْهِ «أنَّ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا قَامَ من اللَّيْل استاك». قَالَ أنس: وَهُوَ من السّنة. رَوَاهُ أَبُو نعيم.
وقرة بن حبيب القنوي، قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الإِمام»: مُتَكَلم فِيهِ.
قُلْتُ: قد أخرج عَنهُ البُخَارِيّ فِي صَحِيحه محتجًّا بِهِ.
قَالَ: وَعبد الحكم الرَّاوِي عَن أنس تكلمُوا فِيهِ.
قُلْتُ: هُوَ الْقَسْمَلِي الْبَصْرِيّ، يروي عَن أنس مَا لَيْسَ من حَدِيثه. قَالَ البُخَارِيّ: مُنكر الحَدِيث. وَقَالَ الرَّازِيّ: كَذَلِك، وَزَاد: ضَعِيف. وَقَالَ ابْن حبَان: لَا يحل كِتَابَة حَدِيثه إلاَّ عَلَى التَّعَجُّب.
الطَّرِيق الثَّانِي: عَن ثَابت، عَن أنس بن مَالك رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: «أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ لَهُ إِنَاء يعرض عَلَيْهِ سواكه، فَإِذا قَامَ من اللَّيْل تخلى واستنجى وَاسْتَاك وَتَوَضَّأ ثمَّ بعث يطْلب الطّيب فِي رباع نِسَائِهِ».
رَوَاهُ أَبُو نعيم أَيْضا بِإِسْنَادِهِ من حَدِيث أبي بشر صَاحب الْبَصْرِيّ، عَن ثَابت بِهِ.
وَله طَرِيق ثَالِث: عَن قَتَادَة عَن أنس قَالَ: «كَانَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا أَخذ مضجعه من اللَّيْل وضع طهوره وسواكه ومشطه، فَإِذا أهبه الله من اللَّيْل استاك وَتَوَضَّأ وامتشط. قَالَ: وَرَأَيْت النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يمتشط بِمشْط عاج».
رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه، والخلافيات وَضَعفه فيهمَا. وَقَالَ عُثْمَان بن سعيد الدَّارمِيّ: هَذَا حَدِيث مُنكر.
وَفِي مُسْند أَحْمد طَرِيق سَابِع من رِوَايَة ابْنه عبد الله أَنا القواريري، ثَنَا عبد الله بن جَعْفَر، أَخْبرنِي مُحَمَّد بن يُوسُف عَن عبد الله بن الْفضل، عَن أبي بكر بن عبد الرَّحْمَن بن الْحَارِث، عَن صَفْوَان بن الْمُعَطل السّلمِيّ قَالَ: «كنت مَعَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي سفر، فرمقت صلَاته لَيْلَة فَصَلى الْعشَاء الْآخِرَة، ثمَّ نَام فَلَمَّا كَانَ نصف اللَّيْل اسْتَيْقَظَ فَتلا الْآيَات الْعشْر آخر سُورَة آل عمرَان ثمَّ تسوك ثمَّ تَوَضَّأ فَصَلى رَكْعَتَيْنِ، فَلَا أَدْرِي أقيامه أم رُكُوعه أم سُجُوده أطول، ثمَّ انْصَرف فَنَامَ ثمَّ اسْتَيْقَظَ فَتلا الْآيَات ثمَّ تسوك ثمَّ تَوَضَّأ ثمَّ قَامَ، يَعْنِي وَصَلى، ثمَّ اسْتَيْقَظَ، فَفعل ذَلِكَ ثمَّ لم يزل يفعل كَمَا فعل أوَّل مرَّة حتَّى صلَّى إِحْدَى عشرَة رَكْعَة».